أخبار وطنية الاعلام التونسي تحت وطأة المال الفاسد.. بارونات وعصابات لفرض أوامر وأجندات سياسية
انشغل الرأي العام التونسي هذه الأيام بقضية كل من الإعلامي معز بن غربية والمنشط الفكاهي «ميقالو» والمنتج التلفزي عبد الحق التومي الذين تم إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حقهم بتهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة والتحيّل.
كل هذا جعل الحديث لا ينقطع حول خفايا وخبايا علاقة رجال الأعمال برجال الإعلام ومدى التجاوزات التي يمكن لها أن تحدث جراء هذه العلاقة التي قد تأخذ منحى سياسيا إذا ما اشتبكت المصالح بالتوظيف... وبهذا الخصوص ارتأت أخبار الجمهورية الاتصال بهذه الوجوه البارزة قصد استقصاء تقييمهم وتعليقهم حول هذا الموضوع .
زياد الهاني: دقّت ساعة الحقيقة.. فليرفع الستار
في البداية أفادنا الصحفي زياد الهاني بأنه نبّه سابقا وفي أكثر من مناسبة إلى الحذر من تدخل المال الفاسد في الإعلام، مؤكدا أن الإعلاميين الضالعين في الفساد بعد 14 جانفي 2011 هم أنفسهم الإعلاميون الذين كانوا ضالعين في المنظومة الدعائية لما قبل 14 جانفي 2011.
كما أشار الهاني إلى أنه أثناء تحمله لعضوية المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين كان من بين السبّاقين الذين طالبوا الحكومة ورئاسة الجمهورية وبشكل عام السلطة السياسية المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر وتحديدا الترويكا، بتمكين النقابة من الملفات التي هي بحوزتهم والتي تدين الإعلاميين الفاسدين -وفق تعبيره- حتى تتخذ النقابة الإجراءات المستوجبة في حقهم.
واستدرك الصحفي قائلا: «لكننا لم نجد منهم غير الصدّ والرفض المقنّع، بل أكثر من ذلك فقد رأينا كيف أن الترويكا استخدمت هؤلاء الفاسدين للدعاية لفائدتها مستغلة في ذلك الملفات التي تدينهم والتي طالبنا بها». كما عبر الهاني عن أمله الكبير في أن تقدم الحكومة الجديدة المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر 2014 على فتح ملفات الإعلاميين الذين تتعلق بهم شبهات الفساد وأن لا تسعى لتوظيفهم لفائدتها .
ومن ناحية أخرى أكد زياد الهاني بأننا سنشهد خلال الأيام القليلة القادمة فتح العديد من ملفات الفساد في القطاع الإعلامي وسقوط الكثير من «بارونات» الإعلام المنخرطين في منظومة الفساد وفق تعبيره، قائلا انه فرز لطالما طالبت النقابة به لأنه من غير المعقول أن تكون أغلبية «الجسم الصحفي» التي مازالت تعاني وتشقى دون أن تتوفر لها الحظوظ الدنيا للحياة الكريمة والضمانات التي يوفرها لها القانون والاتفاقيات المشتركة حتى تقوم بعملها على أحسن وجه في حين يرتع البعض ويمارس الابتزاز والنهب لمئات الآلاف من الدنانير من العملة الوطنية والعملة الصعبة.
كما اعتبر محدثنا أن الإعلاميين الذين يبرزون أنفسهم في المنابر مدافعين عن الحرية وعن قيم مهنة الصحافة النبيلة هم في الواقع مجسدون للفساد والإجرام وهو ما ساهم في حشر كل ممتهني القطاع في خانة «إعلام العار» من منظور المواطن التونسي.
وختم الصحفي الهاني مداخلته قائلا» دقت ساعة الحقيقة فليرفع الستار»..
عبد اللطيف الحناشي :عملية تشويه واغتصاب من قبل بارونات المال
بدوره قال الأستاذ في التاريخ المعاصر والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي إنّ الأمر الطبيعي هو أن الإعلام بحاجة للمال ولرجال الأعمال والاستثمار كما هؤلاء جميعا بحاجة للإعلام فمن ناحية لا قدرة للإعلام اليوم للديمومة دون إشهار عبر وسائل الإعلام وخاصة المرئية.. ولا قدرة لرجل الأعمال على الإعلان عن منتوجه وترويجه دون دور محدد للإعلام وذلك في إطار علاقة تعاقدية وقانونية محددة ومضبوطة، غير أن الأمر يظل من باب الأمنيات -في نظر الحناشي-خاصة في البلدان التي عرفت الانتقال من نظام الاستبداد إلى النظام الديمقراطي فخلال هذا المسار تظهر الرغبة أو النزعة لدى رجال الأعمال لممارسة العمل السياسي أو على الأقل التأثير في القرار السياسي أو التسويق لأفكار ومشاريع أو شخصيات بعينها .
وواصل محدثنا كلامه معتبرا بأنه من هنا تأتي رغبة بعض رجال الأعمال في ربط علاقات تبدو مشبوهة مع المؤسسات الإعلامية ومع الإعلاميين لتحقيق أهداف مشتركة وقد عرفت تونس هذه الظاهرة بعد الثورة وباتت تتخذ أشكالا وأحجاما مختلفة فمن امتلاك صحف وإذاعات وفضائيات إلى كسب صحفيين وتوظيفهم لتمرير برامج وخطابات محددة والدفاع عن ملفات أو شخصيات مشبوهة.
وفي ما يخص هدف رجال الأعمال من علاقتهم بالقطاع الإعلامي، قال الأستاذ الحناشي انّ هدف رجال الأعمال في تونس تعدّى امتلاك صحيفة أو قناة فضائية والبحث عن ربح مادي، وإنما تخطى ذلك ليصبح الهدف هو تحقيق مكانة سياسية، أو من أجل الدفاع عن شبهات حول ثرواتهم أو تجاوزات مالية أو تخويف الخصوم وإرهابهم...
وأضاف: «لخطير في الأمر هو التحالف القائم بين «لوبيات» المال والإعلام مع بعضهم البعض ومع أطراف خارجية أيضا لها أجندات محددة ... والمواطن المغلوب على أمره اليوم ليس فقط مطلعا على البذيء من البرامج بل أيضا على أصداء الصراعات بين تلك اللوبيات ونشر غسيل بعضها البعض الأمر الذي يُبعد المواطن عن الاهتمام بالشأن العام وعن المشاركة السياسية ويُفقد الثقة في الإعلام وفي جديته ونزاهته وبالتالي حرية الرأي والتعبير وهي اهم مكسب تحقق للمواطن بعد الثورة».
وخلص الحناشي إلى أنّ الأمر هو تمثيل لعملية تشويه واغتصاب، تبدو مُمنهجة، من قبل بارونات المال والعصابات المالية التي ارتبط تاريخها بالفساد والإفساد وبالعائلات المشبوهة...
ماهر عبد الرحمان: إعلامنا يتطلّب وقفة تأمّل
أما الصحفي ماهر عبد الرحمان فقد اعتبر بأن الموضوع معقدّ جدّا في تونس لذلك ارتأى تخصيص الإجابة لما يتعلّق فقط بالصّحافة الخـاصّة، فقال إنّ الصّحافة الخاصّة أصبح يعكسها شيئان أساسيان: إمّا مشروع تجاري بغاية ربحيّة ومادّته الإعلام، أو مؤسّسة إعلاميّة لخدمة مصالح طرف ما، سواء مجموعة ضغط سياسي أو اقتصادي، وهذا أقربُ منه لمفهوم العلاقات العامّة من الصّحافة.
وأضاف « لهذا لا يمكنُ الجزم باستقلاليّة الإعلام الخاصّ لأنّه يحتاج إلى تمويل. والتّمويل الأنظف نسبيّا هو الاعتماد على مداخيل الإشهار، لكنّ الارتباط بهذا المصدر المالي في حدّ ذاته يُفقدُ وسيلة الإعلام استقلالها وحيادها اعتبارا إلى أنّه لا يمكِنُها ضرب مصالح المُعلن أو الطّرف المُموّل، إذا كانت تصرّفاتُه أو موادّ إنتاجه محلّ مُساءلة عامّة. لهذا وُجدت أخلاقيّات مهنيّة تسعى أقصى ما يُمكن إلى الحدّ من «بيع ذمّة» وسيلة الإعلام وصحفييها لأصحاب المصالح.
وفي سياق متصلّ أكّد عبد الرحمان بأنّ أكبر مشاكل وقضايا الإعلام في تونس حاليّا تتجسّد في غياب أخلاقيّات ونواميس يتقيّد بها الإعلاميّون. وحتّى ما يوجدُ منها، فهـو متروك، ويتجاهله الجميع. وعبّر عن أسفه لأنّ المراقبة في هذا الصدد تكادُ تكون منعدمة. مشيرا إلى أن مراقبة الإعلام تختلف بين الإعلام المكتوب والإعلام السّمعي والبصري في هاتين النقطتين:
1- في الإعلام البصري: ّ نسبة الثّمانين بالمائة من القنوات التّلفزيّة الخاصّة في تونس لها أجندات سياسيّة، بعضُها واضحٌ من خطابها، ويمتلكها ناشطون في أحزاب سياسيّة يرفضون التّوقيع على كرّاس الشّروط الذي وضعته الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السّمعي والبصري، وأخرى يتغيّر مالكوها بدون العودة إلى الهايكا للحصول على ترخيص جديد ويستمرّون في البثّ والإخلال بمضامين كراس الشّروط، وثالثة لا يُعرف من هم مموّلوها الحقيقيّون ولها خطوط تحريريّة قريبة من بعض الأحزاب.
وواصل: «كان يُفترضُ أن تُمنع أيّة قناة من البثّ إذا تجاوزت القانون وأظهرت انتماء سياسيّا مُعيّنا، لكن لم نر ذلك أبدا في ظلّ الفوضى القائمة. وأخطر مـا هو واقع الآن هو التّبييض للفساد وللإرهاب، وأصبحت بعض القنوات أبواق دعاية لمن تتعلّق بهم قضايا فساد، أو صوتا للمدافعين عن الإرهاب تحت تعلّات مختلفة. ولا يُمكنُ أن نقيس أنفسنا بأمريكا التي تسمحُ بنوع من الميول السّياسية لأحد الحزبين الكبيرين، اعتبارا إلى أنّ كلا الحزبين لهما من الأنصار ضمن رجال الأعمال ما يقدران به على إنشاء وسائل موالية لهما، لكن مع فرض حدّ أدنى من أخلاقيّات المهنة، كما أنّ مصادر التّمويل واضحة. ومثل هذا التّكافؤ في الفرص لا يتـوفّر في تونس .»
2- بالنسبة للصّحافة المكتوبة: ما يُعبّر عنه بالتّعديل الذّاتي مفقود تماما. فكلّ المحاولات للتّأسيس لمجلس للصّحافة تلتزمُ من خلاله وسائل الإعلام بأخلاقيّات المهنة باءت بالفشل لعدم الاهتمام بالموضوع، لكنّ هذه المُحاولات لا تزالُ مستمرّة. ولا يعني أنّ قيام المجلس سيحظى بالإجماع.
واعتبر الصحفي بأنّ لنقابة الصّحافييّن دورا هامّا لغربلة المؤسّسات التي يستحقّ العاملون بها صفة صُحفيّ أو رفضها والتّشهير بها إن لزم الأمر. مشيرا الى أن إعلامنا يتطلّب وقفة تأمّل وطنيّة تشتركُ فيها كلّ الأطراف من حكومة وبرلمان ومجتمع مدني لبعث هيئات وقوانين جديدة انطلاقا من رؤية شاملة.
منارة التليجاني